قصة قصيرة
نام وتحت المخدة الكيس الحاوي لكنزهِ الثمينِ هو وكل
عائلته؛ زوجته.. والده.. والولدانِ.. كيف لا يكون كنزا وقد
انتظروا هذه الدراهم زمنا من الفقر والعري والجوع؟ كيف
لا يكون؟ وهي ثمن قطعة الأرض الوحيدة التي يمتلكونها
شراكة مع كل عائلة أبيه، وبعد نزاع وخصام ومشاكل بيعت،
وكانت حصّتهم ثلاثون مليون سنتيم جزائري!
لم ينم، بات يتقلب قلقا، فيومه غدا طويا.. سينزل
48
بحيرة الرب وقصص أخرى
المدينة باكرا، ثم ماذا؟ سيبدأ باقتناء كل الطلبات.. أجل!
كلها.. فلن يتركهم للانتظار بعد، فقد شبعوا انتظارا عقيما:
كرسي متحرك لوالده، وبطانية جديدة، فبطانيته ما عادت
تدفّئ.. فستان وحذاء لزوجته، وقميص نوم وأحمر شفاه..
أجل! إنها تستحق.. لِمَ لا؟ الولدان.. أممممْ.. لباس.. أحذية..
محافظ.. لن يحملوا بعد اليوم أدواتهم في أكياس بلاستيكية..
لن يضحك منهم الأطفال.. لن تشتمهم المعلمة بعد اليوم..
لن يصرخ المدير بوجوههم.. و كرة.. شوكولاتة وحلوى
لكليهما، وسريرينِ.. أجل! سريرين وفرشين ملوَّنين.. لن
يناما بعد اليوم على أفرشة رثة على الأرض.. أبدا.. أبدا .. و
مدفأة كهربائية.. وأكل.. أكل كثييييير.. لحم ، رغم أنه لم يعلم
بثمن اللحم منذ.. منذ..! لا يهم منذ متى.. وسيشري دجاجا
وفواكه.. أجل! سيشري الموز.. فالولدان لا يعرفان طعمه...
وأنا؟ ماذا عني أنا؟
سأكتفي بحذاء، فحذائي ما عاد صالحًا للتصليحِ ، وهاتفا
نقالا.. وسأجلس على المقهى، وأتكلم حتى لو لم يطلبني
أحد.. سأتظاهر بأنني أتكلم..
غفتْ عيناه فإذا الدّيكة تصيح.. قفز من فراشِهِ على
عجلٍ.. توضأ وأدى فرضه.. رفض أن يفطر مؤكدا لزوجته
49
بحيرة الرب وقصص أخرى
أنه سيفطر في إحدى محاتِ المرطبَّات التي لطالما اشتهى
دخولها ولم يفعل.. ودّع زوجته ووالِده، ثم قبَّلَ الولدين.
وحمل الورقتين اللتين تضما طلبات كُلٍ منهما، وانطلق
قاصدا محطة الحافات.. وكان اليوم يوم الثلاثاء و هو يوم
السوق الأسبوعي بمدينة «الميلية «.. قال في نفسه: ربي يسر
من قطاع الطرق واللصوص المتربصين بالمتسوقين..!.
كان الطريقُ ضيقًا ومظلمًا، وفي المنعطف المغطَّى بأشجار
الزيتون الكثيفة انقضتْ عليه يد همجية مجرمة سادية عابثة
بسكينٍ حادةٍ أردتهُ با حراكٍ سالبةً ما في جيبه من أوراقٍ.. و
ما في قلبهِ من أحامٍ غيرَ عابئةٍ بمنْ في البيتِ ينتظرونه.. ولمْ
يعرفوا بأنهم أبدًا بعدَ اليومِ لن يرونه..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق