قصة قصيرة
هواء القرية النقي يمتزج مع نبرات صوته العذب مغرداً عالياً تسمعه الاطيار ،ملامساً حفيف الشجر الاخضر المحاذي جداول الماء الصغيرة،يتنقّل بدشداشته القروية المخططة ببراءة طين الارض التي ولد فيها ،يمشي عليها طرباً ولا تسكته سوى اوقات امتحاناته المدرسية ممسكاً بدفاتره دون تساقطها من بين يديه رغم قناعته ان القرية لا تستوعب مساحة صوته الجميل لكنه يبقى متماسكاً الى حين اكماله الثانوية .وفي معهد المعلمين اصبح صوته الخلّاب صادحاً وحاضراً في المناسبات والحفلات الاجتماعية الخاصة ومما زاد محبة الناس في غنائه انه ظلّ ينهل من تراث مدينته الغنائي مجدّداً لها بما يسعد سامعيه ،يكمل تعليمه ليصبح معلّماً في احدى المدارس الابتدائية لعام كامل ،وبعد مراجعات كثيرة مع نفسه يقرّر مغادرة قريته ومدينته دون ان يحمل معهُ ذكرياتٍ بقدر حملهِ للامنيات الكبيرة التي ينتظرها في مدينة السحر والجمال بغدادوكان صوتهُ جواز دخولهِ اليها لينالَ بعد حين شهرةً لم يكن يحلمُ بها،صار مع راقصة الحيّ يتقاسمان الليل بعد منتصفهِ وهو في سكرة العشق من هواها وكأنّهُ أوقدَ حرمانهُ المكبوت ليتفجّرَ معلناً زواجهُ منها وسط منظومةالاضواء الحمراء والنوادي الليلية المكتضّة بالتساؤلات والمتناقضات ،وفي الضفة الاخرى حلّقَ نجمهُ ليصلَ آفاقاً من المجد الغنائي .لكنَّ الحاسدين من المنافسين كانوا يدبّرون امراً بليلهم المظلم بأنْ يحيّدوهُ ويسقطوهُ بضربةٍ قاصمةٍ تسقطهُ،بعفويّةٍ منهُ راح يلبّي دعوتهم في احدى الليالي مع اجمل النساء ولقد أكملوا تهيئة مستلزمات دعوتهِ.فما كان منهُ لمّا رآها غير ان يغمى عليهِ بعد صدمتهِ الكبيرة بزوجتهِ الراقصة والتي حملتْ طفلاً لم يرَ النورَ بعد .لم يعدْ للمطرب النجم مكاناً يستوعب جرحهَ وألمهُ غير مستشفى الامراض النفسية والعقلية فيقضّي فيهِ عاماً كاملاً مع بزوغ فجر ولدهِ الذي لم يمنعهُ من طلاق امّهِ..
بعد عشرين عاماً يطالب الابن باعتراف أبيهِ بابوّتهِ لهُ والاب مازال منكراً لشرعيّتهِ وأنّهُ ابن زانيةٍ وان كان في غفلةٍ سجّلتْ بياناتهُ بأسمهِ،في ليلة ما تشتدُّ الصراخات بينهما فقال الابنُ:
- ما دمتَ لاتعترف بي ابناً شرعيّاً لكَ فأنّكَ لا تستحقُّ ان تكون اباً لي.
-نعم انتَ لستَ ولدي.
وقبل ان يكملَ الأبُ كلامهُ انقضَّ الابنُ عليهِ كثورٍ هائجٍٍ ويداهُ احاطت بعنقهِ كما يحيط السوار بالمعصم لينتهي بموت المطرب ،ودون ان يعثر القاتل على أبيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق